طوعا أو كرها، عليك أن تواجه الصليب
خلال العقود الاخيرة صار الغرب ينفصل عن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب - إله الأحياء لا إله الأموات. من الذي يستغرب إذًا من موت الغرب أمام أعيننا؟
الحديث التالي تأمل في واجبنا في مطاردة الحقيقة والاعتقاد بها، الناتج عن رغبة في الدخول في حوار مع أولئك الذين يسارعون في نفس الواجب - في هذا الحين المسلمون. قد عرض صديق عزيز لي من أيام دراستي الجامعية ترجمة المقال إلى العربية بحيث يتسنى لأهلها قراءتها والتفكير فيها والرد عليها في وقت لاحق. أعتقد أن هذه المقالة قد تهم من هو يبحث عن قراءة وجهة نظر مسيحية أمريكية من شخص يهتم بالدين.
في كتاب جورجياس، جادل سقراط مع كالليكس، السفيه الذي رفض الجمال والحقيقة والخير، وحاول أن يظهر أن كالليكس، في التحليل النهائي، كان في خلاف مع نفسه. بالمثل، الهدف النهائي لهذا المقال هو الإقتراح بأن الأشياء التي يهتم بها وجميع المسلمين - تجد تحقيقها المثالي في المسيح وعروسه الكنيسة.
آمل أن يستفيد أي شخص يقرأ هذه البداية وأي تبادلات تتبعها، من اصطدام الكلمة المكتوبة هذا.
- ديون
أرى أن السمة البارزة في الغرب في الوقت الحاضر هو عدم تقديسه لله. لقد نسوه أهل الغرب. كنائسهم فارغة. وبالتالي، يعبدون أصنامًا ظالمة ومُطالبة: التنوع، والعدالة، والشمول، والتسامح، والراحة، والمكانة، والشهوة، والتعبير عن الذات. القائمة تطول.
ليس الأمر و كأن الغربيين يكرهون الله؛ بل يعيشون وكأنه ليس حقيقيًا، أو إذا كان، فإن وجوده ليس له أهمية عملية. لا شيء في حياتهم اليومية يوحي بوعيهم به، أو حتى باحترامهم لله وبإرادته. على مرور العقود صار الغرب يقطع نفسه تدريجياً عن "إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب" - "وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ" (متى 22:32). كمثل الأحمق الذي يقطع الفرع الذي يجلس عليه. حتى أن الجيل الحديث يختارون تعقيم أنفسهم بدلاً من طاعة أولى وصايا الله في الجنة: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا. (تكوين 1:28).
من الذي يستغرب إذًا من موت الغرب أمام أعيننا؟
ليس كذلك في العالم الإسلامي - على الرغم من أن الإسلام تتجسد فيه انحرافات خطيرة عن حقيقة الله و المسيح عيسى والخلاص. الإيمان بالله في تلك الاراضي حي وبخير. أنا كاثوليكي متحمس، متدين، ويؤلمني شهادة هذا الاختلا.
ومع ذلك، أنا أحترم الحمية المسلمين في ممارسة دينهم. في ظل الفراغ الوجودي للغرب وفساده، من المنعش أن عشرات الملايين يتمسكون بإيمانهم على الرغم من أنهم غريقون في الحمض الفاسد الذي هو الحداثة. أكتب بروح مشتركة. أنا آخذ الله على محمل الجد، كما يفعل ملايين المسلمين. نحن مخلصون لله ونحبه أكثر مما نخشى عقوبات العالم لأن الله سيد على كل شيء وقد غزا العالم. نحن نعرف إله التاريخ و أن هذا الله ليس بتاريخ.
على هذه الأرض المشتركة، "هلم نتحاجج" (إشعياء 1:18). لنا أن نتصارع نحو ما يتطلبه الدين منا من فضيلة إعطاء الله حقه.
دعنا نطرح أن الإيمان بشيء أفضل من بلا شيء، ومن الأفضل أن نؤمن بالأشياء حميةً من أن نكون فاترين. فلا أحد يحب الجالسين على السياج - والمسيح أقلهم رضا بهؤلاء. في سفر الرؤيا، "سأتَقيّؤُكَ مِنْ فَمي لأنّكَ فاتِرٌ، لا حارّ ولا بارِدٌ" (رؤيا 3:16). العقل المفتوح مثل الفم المفتوح: الهدف هو إغلاقه على شيء صلب. الجلوس المستمر على السياج ليس علامة على "الحياد" المتطور الذي يستمر حتى يظهر "دليل" كافٍ. في الواقع، هذا اختيار لتدهور الروح، وفي نهاية المطاف، الموت.
إما أن تتحرك من على السياج و إما أن تتعفن عليه.
من يؤمن بحسن النية و عزم اليقين بمقدمة معينة، و لو كان مخطئاً، فله فضل على الذي يكون لامباليًا عند مواجهته للأسئلة الأساسية للكون، و على الذي يعارض أخذ مثل هذه الأسئلة بجدية. الشخص الأول يؤمن على الأقل بأن الأسئلة ذاتها تهم، مما يعني أنه مهتم بالإجابات ومنفتح على تلقي معلومات جديدة. أما الشخص الثاني، الذي لا يكترث بالمسائل الوجودية بنفس قدر اكتراثه بما سيأكله في العشاء أو أقل - فهو قضية ضائعة. روح هذا الشخص صم عن نداء الدين، و الدين يمثل "خارطة إلهية"، لو شئتم، لفهم الواقع: من أين جاء الإنسان وإلى أين يذهب، وكيف ينبغي له أن يتصرف خلال إقامته القصيرة الثقيلة على الأرض، وماهية علاقته الأساسية بالله.
من بين هذه الأشياء، يخطئ الإسلام في أشياء مفتاحية. ولكن أعيد مرة أخرى أنه من الأفضل أن تكون خاطئًا وتهتم بشكل عميق بمثل هذه المسائل من أن تكون لامباليًا أو معاديًا لاحتمال أي حقيقة يمكن العثور عليها، ناهيك عن حقيقة قد ترتبط به. (أرى القديس أوغسطينوس من هيبو أن أصل كلمة الدين في لغته هو "ربط".)
أثناء كتابتي هذه، نحن في قلب الصوم الكبير، الذكرى السنوية للكنيسة لآلام يسوع لمدة 40 يومًا في الصحراء مع العالم والجسد والشيطان. ذروة الصوم الكبير هي يوم عيد الفصح، يوم قيامة الرب المجيدة من الموت، يليه بعد 50 يومًا عيد العنصرة - عيد ميلاد الكنيسة، عندما نزل الروح القدس على الرسل في شكل ألسنة من النار. (أعمال الرسل 2:1-11). أما المسلمون، فهم يعتقدون أن الله خلق شخصية تشبه يسوع ليموت مكانه في جلجثة.
يهرب المسلمون من الصليب مصرين على أن يسوع نفسه هرب من منطقيته. وإذا فعل ذلك يسوع لجاز لنا أيضًا فعله، لأنه لا خادم أكبر من سيده. (يوحنا 13:16). هذا خاطئ، لكنه جذاب ومنطقي إذا وجدت نفسك تتجاذب نحو الإسلام. كما يعلن القديس بولس، الصليب "لِلْيَهُودِ عَثْرَةٌ، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةٌ." (1 كورنثوس 1:23). فمن الطبيعي أن الناس سيتصارعون مع معنى الصليب. ومع ذلك، يجب بشأن الصليب شيء ما.
يمكن للشخص أن يقبله أو يرفضه، لكن تجاهله ليس خيارًا على الإطلاق.
رفض الصليب هو رفض يسوع كابن الله، وقبول الصليب هو قبول يسوع كابن الله. و العقيدة بأن محمدًا هو أعظم هذين الاثنين يعني أن يسوع لم يتحمل الصليب. لأنه إذا فعل ذلك، فسيكون أعظم من محمد.
نعم، أنا أقول أن الموت على الصليب إنجاز أعظم - إنجاز أعظم بلا منازعة - من النجاة منه. في حديقة جثسيماني، يسوع يتخلى عن نفسه تواضعًا طاعةً لإرادة والده الكريمة و هو يتألم منتظرًا الموت الآتي في جلجثا: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ" (متى 26:39). و هذا رغم أنّ "جَوهَرَهُ هُوَ جَوهَرُ اللهِ"، إلا أنه "لَمْ يَعْتَبِرْ مُسَاوَاتَهُ للهِ امتِيَازًا يَغْتَنِمُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ جَرَّدَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، آخِذًا طَبِيعَةَ عَبدٍ، فَصَارَ إنْسَانًا كَالبَشَرِ.." (فيلبي 2:6-7). القوة لخدمة الضعفاء؛ لذلك يجب أن يكون الأقوى خادمًا للجميع. (متى 23:11-12). يعيش يسوع هذه المهنة كاملًا، ويدعو كل واحد منا إليها. (عبرانيين 4:15؛ متى 5:48)
أنا على دراية بأن هذا يبدو غريبًا. حتى أنا، وأنا مسيحي كاثوليكي مؤمن ومتمسك بالعقيدة، أجد نفسي في بعض الأحيان أتراجع عن هذه التعاليم. إنها غريبة تمامًا، وتتحدى المنطق البشري، الذي يثمن القوة والجمال والطاقة والعقل فوق الضعف والقبح والعجز والبساطة والعدمية. ومع ذلك، يقول الرب: "لِأنَّ أفكَارِي لَيْسَتْ كَأفكَارِكُمْ، وَطُرُقِي لَيْسَتْ كَطُرُقِكُمْ، يَقُولُ اللهُ. فَكَمَا تَعْلُو السَّمَاوَاتُ عَنِ الأرْضِ، هَكَذَا تَعْلُو طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ، وَأفكَارِي عَنْ أفكَارِكُمْ." (إشعياء 55:8-9). في الواقع، يختار الله عمدًا "جهال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء." (1 كورنثوس 1:27).
تغني مريم بجمال "الانقلاب الإلهي" عندما تزور ابنة عمها إليشيبا، التي كانت في ذلك الوقت عند نهاية حملها بيوحنا المعمدان: "أنزَلَ الحُكَّامَ عَنْ عُرُوشِهِمْ، وَرَفَعَ مَنزِلَةَ المُتَوَاضِعِينَ. أشبَعَ الجِيَاعَ بِعَطَايَاهُ الصَّالِحَةَ، وَصَرَفَ الأغنِيَاءَ فَارِغِي الأيدِي." (لوقا 1:52-53). فحسبنا أن نقول "فَمَا يَعْتَبِرُهُ أُولَئِكَ حَمَاقَةَ اللهِ، هُوَ أحكَمُ مِنْ حِكمَةِ النَّاسِ! وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ ضَعفَ اللهِ، هُوَ أقوَى مِنْ قُوَّةِ النَّاسِ!" (1 كورنثوس 1:25).
إن الله مختلف عنا تمامًا فهو يفاجئنا تماماً. ولكن لا يعني هذا أن ليس في وسعنا أن نتبع خطته، وإن كان ذلك على بُعد و بجهد روحي كبير. إنه يترك لنا دربًا، ويمشي بجانبنا ونحن نسير كالحجاج إلى موطننا الأبدي معه. إنه يشجعنا و يؤيدنا في الطريق.
في الواقع، الصليب هو سمة أساسية في اقتصاد الخلاص. كما شرح القديس أثناسيوس الإسكندري قبل سبعةَ عشرَ قرنًا، من المناسب جدًا أنه لبس ابن الله لحما بشريا و احتمل آلامه الحزينة ليخلص البشرية من الخطيئة والموت. المسيح "أشفق على نسلنا و أرحم على ضعفنا و تنازل إلى فسادنا. و ما كان له أن يترك الموت ليتحكم لئلا يهلك الخلق و يضيع يد أبيه في البشر عبثًا. فأخذ على نفسه جسدًا و لم يكن بمختلف عن جسدنا."
جوهر الله الأساسي، إذا جرأنا أن نحدد شيئًا كهذا، هو الحب. تقول الكتاب إن الله هو الحب. (١ يوحنا ٤:١٦). يسوع هو "وسيط وامتلاء كل الوحي" - الإعلان الذاتي النهائي لله إلى الإنسان. (في حديث الله § ٢). و لا بدّ للحب من الانتماء إلى مجتمع: لا يمكن للإنسان أن يحب في العزلة الوحشة. المحرك الأول عند أرسطو وحيد مكتمل بذاته ويبدو أنه لا يفتقر إلى شيء. و لكنّه يفتقر إلى الصداقة والحب.
الله هو ثلاثة أشخاص متميزون: الآب والابن والروح القدس. يشترك كل واحد منهم في نفس المادة، وجميعهم معًا في علاقة حب معطي سرمدي: رقصة. (استخدم آباء الكنيسة المصطلح اليوناني بيريخوريسيس - شيء مثل العبارة الضخمة "الإندماج الإختراقي المتبادلي") لكي لا نغوص في التفاصيل الدقيقة، ولتجنب إثارة الارتباك حول أعمق الأسرار، حسبنا أن نقول: "الوحدة الإلهية ثلاثية". (تعليمات الكنيسة الكاثوليكية، الفقرة 254).
محبة الله كبيرة و شديدة جدًا و في غاية الفائضة، حتى أنها تفيض في الخلق وتصل إلى ذروتها في الإنسان، الذي خُلق على صورة الله كشبهه من خلال الابن كلمة الله الذي كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. التكوين 1:26؛ يوحنا 1:3. عندما سقط الإنسان، وضع الله خطاً لإنقاذه و شغله، حتى يضمه إلى الخلود مع نفسه. هذا ما يسجله العهد القديم. كله يشير إلى يسوع الذي هو ذروة تلك الخطة (لوقا 24:27)
بإيجاز، أصبح الله إنسانًا، يسوع الناصري المسيح، لكي يصبح الإنسان مشابهًا لله، ليُرفع إلى الحياة الداخلية للثالوث الأقدس لينظر إلى الرؤية السعيدة إلى الأبد.
يسوع هو الراعي الصالح. إنه يتفانى في رغبته في العثور على الخروف الضال، حتى يترك وراءه التسعة وتسعين الآخرين في قطيعه ليفعل ذلك، "وَإِذَا وَجَدَهُ يَضَعُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَرِحًا" (لوقا 15:5). يسوع هو السامري الصالح. إنه يخاطر بحياته متهوراً لإنقاذ حياة غريب على طريق خطير. (لوقا 10:25-37). يسوع شبيه بأب الابن الضال، الذي "وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ،" وأعطاه ثوبًا وخاتمًا ونعالًا وأقام وليمة احتفالًا بعودته - حتى بعد أن أكل هذا الابن "مَعِيشَتَة[ه] مَعَ الزَّوَانِي"! (لوقا 15:20، 22-23، 30).
ببساطة، لا شيء يمكن أن يفصلنا عن محبة الله. كما يكتب القديس بولس، "أنَا مُقتَنِعٌ بِأنَّهُ مَا مِنْ شَيءٍ يَقْدِرُ أنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. فَلَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ، وَلَا مَلَائِكَةَ وَلَا أروَاحَ مُتَسَلِّطَةً، وَلَا شَيءَ فِي الحَاضِرِ، وَلَا شَيءَ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَلَا قُوَىً رُوحِيَّةً، وَلَا شَيءَ مِمَّا فَوقَنَا، وَلَا شَيءَ مِمَّا تَحْتَنَا، وَلَا أيَّ شَيءٍ آخَرَ مَخْلُوقٍ يُمْكِنُ أنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا." (رومية 8:38-39).
أما بعد فإنّ الصليب متفق مع الواقع و مع طابع الله. دعونا نتأمل لماذا. تساعد في ذلك قصة النبي أيوب المقدس.
باختصار، بعد الكثير من المعاناة، واللوم، والحوار، والحزن، وتأكيدات البراءة، والصلوات للإغاثة، سمع أيوب الله يتحدث "من العاصفة": "‘مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ اُشْدُدِ الآنَ حَقْوَيْ الرجل، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ". (أيوب 38:1–4). بعدما أعلن أيوب عن جهله بحكمة الله، أوصى الله به بالصلاة لأصدقائه، وعندما فعل ذلك، استعاد الله لأيوب ثروته بعشرة أضعاف. (أيوب 38:5–42:16). "ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ". (أيوب 42:17).
في هذه القصة شيء عميق وصحيح. ومع ذلك، ما يُبهرني كم هي تفتقر. نعم، عظمة الله وحكمته وقوته وتصاميمه أعظم بلا حدود من فهمنا. بالتأكيد يلتزم المسلمون بهذا. في الإسلام، الله هو الإرادة الخالصة، غريب وفائق لدرجة أننا لا نستطيع فهم أي شيء من "منطقه"، إذا جاز التعبير. إذا أمر الله بأن الأبيض هو الأسود فهو كذلك، و يستقيم العكس ايضاً.
لكن هذه ليست الطريقة الكاثوليكية. نحن نؤمن بأن الله مفهوم لنا، حتى لو كان ذلك فقط بما هو ليس عليه - أي أنه بالضمنيات السلبية يمكننا معرفة شيء من الله وعن الله. لديه "سبب" خاص به، حتى لو لم يكن من السهل فهمه من منظورنا البشري المحدود والقابل للخطأ. ولهذا الصليب: لأن الله لا يكتفي بأن يصدر صوت الرعد علينا و نحن في عاصفة، و هو وراء حجاب من بقوة وقدرة وعظمة مخيفة. إنه لا يستخدم تكتيكات الصدمة والرعب، على الرغم من أن لديه كل الحق في ذلك.
بدلاً من ذلك، يقوم بأرقى شيء ممكن. إنه يدخل في فوضى وجود الإنسان و ما به ألمه والكسر، ويصبح كائناً إنسانًا، و هكذا يغير ماهية الإنسان تمامًا. إنه يواجه الخسارة الإنسانية والخطيئة والموت ويدمر سلطتهم تمامًا. إنه لا يتركنا وحدنا نبكي على معاناتنا، التي تسببها الكثير منها حرية الإنسان، فالحرية شرط مسبق ضروري لمعرفة الله ومحبته وخدمته. بدلاً من ذلك، يحترم حريتنا تمامًا لدرجة أنه يسمح لنا بإساءة استخدامها بأبشع الطرق: لارتكاب اللهوانية ضد ابنه الوحيد. إنه يتواصل معنا ويعيش بيننا بطريقة تناسب طبائعنا العقلية، على الرغم من أن ذلك يفرض عليه الانحناء إلى مستوانا. إنه يأخذنا على محمل الجد و يقوم مع الجنس البشري في التضامن الجذري. بدلاً من أن يشرح لماذا الآلام والخطيئة والموت ليس لديها الكلمة الأخيرة - كما قد يفعله أستاذ ضحيح غريب - يعرضه علينا في هيئة لحمية و هو يشاركنا في الجزء الأكثر رعبًا وغموضًا في نصيبنا: الموت و أحيانا الموت الأليم.
لكنه الله يهزم الموت و يقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، مدمرًا في هذه العملية سلطة الخطيئة التي دُفنت معه و بقيت في القبر حيث مقامها.
فلنقل إذاً إن الصليب هو ببساطة النتيجة المنطقية لطبيعة الله، وجوده وجوهره. الله، مجتمع إلهي من الأشخاص الذين يحبون بعضهم بلا حد، يرغب في مشاركة تلك المحبة مع البشر، الذين خلقهم في حريته وصلاحه اللانهائيين لكي يعرفوه ويحبوه ويخدموه في هذه الحياة، ويكونوا سعداء معه إلى الأبد في الحياة الآتية.
يريد الله خيرنا الحقيقي دائماً. إنه لا يتوقف أبدًا. يعمل الله بلا كلل في حياتنا لجلب الجميع إلى معرفة الحقّ و به إلى الخلاص. إلى درجة أنه سيخفض نفسه ليولد من امرأة، العذراء المباركة مريم، ويعيش كإنسان، ليعلمنا كيف يريدنا أن نعيش. في الصليب و على الصليب و بالصليب يصالح يسوع كل الأشياء لنفسه. (تيموثاوس الأولى 2:4؛ كولوسي 1:20).
لهذا كان يجب أن يحدث الصليب. لا يهم مدى انغماسنا في طين الخطيئة. لن يتوقف الله عن ملاحقتنا حتى إلى الموت، بل لا يمكنه. ولهذا نصرخ بفرح وشكر وإعجاب كل عام في عيد الفصح، "يا خطيئة سعيدة، يا خطيئة ضرورية لآدم، استحقّت بها فاديا كهذا!"
Author’s note: The above is a translation of my March 19, 2024 essay, “Love it or Hate it, You Must Confront the Cross”; anyone who can read classical Arabic, enjoy